هلا زرعنا الورود؟
د, فهد المغلوث
حينما تعمل مع الآخرين عن قرب وتساعدهم
وتمد لهم يد العون
وتقف بجانبهم وتشعرهم
أنك واحد منهم لا تفرق عنهم، وأن ما تقدمه لهم انما هو واجب عليك تجاههم
وليس تفضلاً منك نحوهم حينما تقدم كل ذلك لتلك الفئة،
وخاصة أولئك المحتاجين للمساعدة فعلاً من اي نوع كان معنوية او نفسية أو مادية،
ومهما كان حجم هذه المساعدة،
حينما تقوم بذلك كله عن قناعة راسخة منك،، فإنك تشعر بسعادة غامرة ليس
أقلها انك تجد ذاتك التي ربما تاهت في الطرقات منذ زمن بعيد وأنت تبحث
عنها او التي سلبت منك رغماً عنك.
نعم تشعر بذاتك وتحس بحب الآخرين لك وتقديرهم لجهودك وإكبارهم فيك هذا القلب الكبير
المليء بالحب والحنان والتضحية والاهم من ذلك دعاؤهم الصادق لك ان يوفقك الله اينما كنت
في كل صغيرة وكبيرة وان تحقق ما تصبو اليه وتحلم به،
وهذا في حد ذاته شيء لا يقدر بثمن لأن الانسان
منا في هذا الزمن بحاجة للدعاء الصادق النابع من القلب وفي ظهر الغيب.
نعم انت كانسان في هذا الوقت المادي القائم على المصالح الشخصية
والاعتبارات المادية بحاجة لمن يبشُّ في وجهك حينما تقبل عليه حبا فيك لا
مجاملة لك.
أنت كإنسان بحاجة لمن يستقبلك بحرارة،
بحاجة لمن يشعرك حينما تقبل عليه أو تحدثه بأنك لست ضيفاً ثقيلاً وضعك القدر في طريقه،
وانما أخ وصديق وحبيب يفتح لك أبواب قلبه قبل أن يفتح لك أبواب منزله،
يصافحك بروحه قبل ان تصافحك يده.
أنت بحاجة لمن يتحدث اليك وهو يُشعرك بشوقه اليك ولهفته عليك، ذلك الشوق
وتلك اللهفة تراهما في عينيه اثناء حديثه معك، في ترحيبه بك وإصغائه اليك
بل في فرحته التي لا يستطيع ان يخفيها والتي تدل عليها مؤشرات كثيرة
تعرفها في حينها.
بل وحتى في وداعهم لك، فأنت بحاجة لأن تسمع منهم بأنهم سوف ينتظرون لقاءك
مرة اخرى ويسمعون صوتك عن قريب لانك تعني لهم شيئاً وتركت بصمتك المميزة
عليهم يفتخرون بها، اليست تلك قمة السعادة؟!.
ان ما نقوم به هو زرع الورود وسقيها والعناية بها والمحافظة عليها لتلك
القلوب العطشى والارواح الظمأى التي هي بحاجة لحديقة خضراء غناء بداخلها
تطلّق تلك الأجواء الحارة الجافة من قلة المشاعر الجميلة المحرومة منها
وغير المتوفرة لها لتجعل من تلك القلوب واحة خضراء تشعر ببرودة رذاذها
المنعش المريح للاعصاب كما لو كنت قريباً من شلال كبير متدفق بغزارة من
جبل عالٍ، ترفع رأسك عالياً لتحدق فيه ولا تريد ان تنزل نظرك عنه، وانت
تتأمل عظمة الخالق عز وجل في بديع مخلوقاته وعجائب صنعه! تلك الورود التي
تتحدث عنها ليست وحياً من خيال ليست صعبة المنال بل يمكن ان تتحقق بأشكال
وصور كثيرة أنت ادرى بها ويكفي ان ترى الابتسامة على شفاه الآخرين،
والسعادة ترفرف عليهم بسببك لتعرف انك زرعت بداخلهم وروداً جميلة تتجدد كل
يوم وتتفتح كل لحظة وتتألق حينما تشعر بك بجانبها تدعمها وترعاها وتأخذ
بيدها الى عوالم أخرى داخل الحياة لم تفتح عينيها عليها بعد وانت بزرعك
لتلك الورود الرائعة في نفوس الآخرين لا شك تساهم في توسيع رقعة وكمية تلك
الورود للآخرين ممن لا تعرفهم لان كل من احس بقيمة وطعم وجمال هذه الورود
سوف يساهم بزراعتها في قلوب الآخرين بشكل أو بآخر.
وقد يكون هناك بعض الاشخاص الانانيين ممن يودون الاستئثار بتلك الورود
الجميلة لهم وحدهم، ولكن صدقني هم لا يستطيعون ذلك لان الانسان حينما يكون
سعيداً لا يستطيع ان يخفي سعادته او ان يمنعها ان تصل لغيره لان مجرد
ابتسامته الصادقة الحلوة سوف تبث الأمل في الآخرين وتريحهم نفسياً وهنا
تبدأ جولة اخرى من زراعة الورود للآخرين, فهلاً زرعنا الورود بداخلنا
وداخل قلوب الآخرين