كان الناس أمة واحدة

عند اختلافنا مع بعضنا البعض علينا أن نستوعب حقائق قد نكون غافلين عنها ونراعي أمورا قد تكون سببا في هداية
بعضنا ولا أقول كلنا لأن ذلك في التحقيق مستحيل. إن الناس كانوا أمة واحدة ثم طرأ عليهم الإختلاف قال تعالى:
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.. )
هذا يعني أن الأصل في علاقاتنا فيما بيننا هي الوحدة والإجتماع والخلاف
فرع منها فإذا اختلفنا لابد أن تكون وجهتنا هي رد الأشياء إلى أصلها وهي
الوحدة والإجتماع لا أن يكون الخلاف
آلية تزيد الهوة والبعد عن ذلك الأصل بسبب رغبات شخصية ونزعات شهوانية تريد أن تبرز نفسها عن طريق البغي على
الآخرين وظلمهم مع توفر أسباب ودواعي الإجتماع قال تعالى:
(فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ماجاءتهم
البينات بغيا بينهم....)الآية
فعند الحوار الذي يعتبر المرحلة الأخيرة في محاولة إثبات الحقائق بعد المرور بعدة مستويات يجب مراعاة القيم التي لابد أن
تتوفر في المتحاورين من سلوكيات إيمانية وروحية وصلاح أخلاقي وعقدي مع
تحديد الأصل الأكبر الذي يقيس القيم الحياتية الكبرى التي تفيض بدورها على
باقي شعاب وتفريعات الحياة الجزئية
فإذا لم يكن بيننا وبين من نحاوره أصل ثابت وأرضية مشتركة فعلينا أن نتجنبه ونعرض عن الحوار معه لأننا لن نصل معه
إلى نتيجة مرجوة بل أن حوارنا معه قد يجعله يغتر بنفسه على جهله ودنوه ويهدم ما أردنا أن نبني
إن من أسما الصفات التي يجب أن يتحلى بها المحاور هي أبتغاء وجه الله سبحانه في ذلك والإلحاح عليه في الدعاء أن يهديه
الحق مع الإقرار له بأن كل هداية لا تكون إلا بأذنه قال تعالى:
(فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)سورة البقرة آية 213
فمما سبق من حديث نتبين عدة نتائج من أبرزها: 1-الأصل في الحياة الوحدة والإجتماع والإختلاف أمر طارئ ليس هو الهدف
منها وكون الإختلاف أزليا لايعني أحقيته بالوجود من الوحدة كما الكفر بالنسبة للإيمان في الوجود تماما

بذلك في حيز اتباع الهوى والشهوات

الإرتقاء بمستوى التحاور والحد من دواعي هبوطه إلى أدنى المستويات الذي يكون سببه المهاترات الشخصية وأحيانا الشكلانية
التي تمثل خروجا صارخا عن هدف البحث عن الحقيقة

الكمال(كان الناس أمة واحدة) بينما تجربة الحاضر دون اعتبار الماضي مبتورة قاصرة والنظر إليها فقط من خلال المستقبل
شعوذة ودجل هنا نشهد لزهير بي أبي سلمى بالحكمة إذ يقول:
وأعلم مافي اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم مافي غد عمي
حتى أنه قد وصل ببعض منكري الماضي والتاريخ إلى الغلو في مقالتهم بلمزه بالماضوية والرجعية قد غاب عن عقول هؤلاء
أن الحياة في نشاطها الزماني الذي تتطور من خلالها الأيام ويتبعها تغير في الحياة الاجتماعية والسياسية أن دفع ذلك كله يكون
من جراء دفقات من الماضي المليئ بالنضوج المحسوس إلى عيش الحاضر الذي يضم في رحمه الغد يغذيه بدماءه ليخرج يوما
كاملا تعيشه الأجيال بتوازن وليس وليدا خديجا خرج دون أن يستوعب أيام بقاءه في ذلك الرحم والذي تمثل له تلك الأيام بعد
ولادته شيئا من الماضي الناقص الذي كان سببا في تشوه خلقته (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم
والله عليم حكيم)النساء آية26

فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
2-أن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب للحكم في الأمور المتنازع عليها لا أن يكون ما جاء به الكتاب سببا في التنازع وندخل
3-تزكية النفس وتخليصها من أكدار الأنانية وشوائب الكبر وحب الإستعلاء والظهور على الآخرين معنى جميل من معاني
4-فهم التاريخ الزماني للكون والحياة والنظر إلى الماضي باحترام وتوازن لأن التجربة فيه أنضج وتصل أحيانا إلى درجة
5-إن الايمان بالله والتوكل عليه والتوجه له بالدعاء مع اتباع أوامره ونواهيه سبب رأيسي في اللإهتداء إلى الحقيقة