الفيل .... والعميان ............!

يحكى أن جماعة من العميان من سكان الصحاري تلاقت أثناء مسيرها بفيل ضخم لم يكونوا قد سمعوا عن وجود ما يشابهه في السابق !.

وكان أن تحسس العميان بعض أجزاء هذا الجسم الضخم الغريب المستنكر قبل أن
ينطلق بقوة وعنف وسرعة ناثرا افلالهم في الجوار، وتاركا بينهم ولع مشحون
بالخوف والتعجب والحيرة والنقاش الساخن المتنافر والذي يحاول فيه كل منهم
إثبات وجهة نظره القاصرة عن كنه ما مر بهم.

تلك الأقصوصة ذات المغزى تذكر عادة عندما يكون الحدث ذو أوجه عديدة، ويكون
الرواة قاصرين عن شرح وتفصيل الحدث كما وقع مع إصرارهم على التبجح برؤيتهم
الثاقبة ... وقصور الأراء الأخرى عن تصوير ما وقع على أرض الواقع بالنسبة
لهم ..!.

وتاريخنا البشري كان ولا يزال يصل إلينا مرويا على ألسن الرواة من خلال
ألسنتهم وذواكرهم المتشكلة من خلال الدمج بين الواقع والتماهي والتصور
والدمج والإستدلال والقص واللزق ، أو عبر أقلام الصحفيين المتزحلقة على
سطور من التحسين والتجميل ، أو التشويه المتعمد ،أو فتحات عدسات المصورين
الانتقائية ، أو تحليلات المنظرين السفسطائية أو المخزومة كعبيد للسلطة
كما في عصرنا الحالي.

فتكاد تسمع نفس الخبر من عدة قنوات إعلامية، ولكنك تتلقاه في كل مرة بشكل
مختلف يكاد أن يبدل في التفاصيل ظاهرها وباطنها لدرجة اختلاف كنه الخبر...!

فكل يحكي بما يراه أو ما يتخيل أنه يراه .... من زاويته القاصرة، بل أنه
يضيف إليه من تخيلاته الكثير ، ومن عاطفته ما يلزم من التضخيم أو التهميش،
ومن نشأته أطياف الذكريات ، ومن تربيته الكثير الكثير من الحدود والحواجز.

أخبارنا ليست أمينة ... ولا تبحث عن الواقع المجرد ... هنالك من يعملون على تحسينها وتهذيبها ... أو تحويرها قبل نشرها.
وللأسف الشديد لا يوجد من يقول الخبر كما حدث ... ويذكر رؤيته .... ورؤية الآخرين له ، بشكل يترك لنا الخيار.

لذلك ... فنحن نعيش على واقع هلامي، وتاريخ وهمي ...
ورؤية أعمى بين عميان يتبجحون بأراء لا يتزحزحزن عنها ......!