peso مشرف المنتدى العام+الجوال
عدد الرسائل : 2846 العمر : 36 نقاط : 294114
| موضوع: لماذا أحبك ... يا وطني الصغير ... أبها ...؟ السبت أبريل 04, 2009 2:40 pm | |
| على الرغم من أني لم أعش في مدينة أبها الجبلية الجميلة إلا لبضع سنوات من طفولتي اللبنية ... إلا أني أشعر أنها وطني الصغير الحبيب الذي لا يكاد يفارق مناطق حنيني ... وخبايا ذكرياتي .. ودغدغة مشاعري البكر بمعاني الوطن والتراب والـتأصل والتلاحم الوثيق بالطين والأرض والإنسان والطبيعة ... وخلع لثياب الغربة ونبذ لحقائب الإغتراب....!
وعلى الرغم .. من أني لم أعد إليها منذ سنوات عدة ... ولكني اكتشف يوما بعد يوم أنها أروع هاجس يسكن في داخلي ... ويتغلغل في ثنايا ثيابي ويسرقني من وهج وعربدة كل مدينة مبهجة أزورها أو أسكن بها أو تسرقني أضوائها في طول العالم وعرضه وعمقه ...!
وقد قابلت كثيرا من الناس ممن يستغربون من حالة الحب تلك والحنين لأول منزل ... لمدينة صغيرة مرت علي طفولتي مرور الكرام ... يستغربون لأنهم ببساطة وأمانة لم يجربوا العيش في مثل هذا النوع من الأوطان المكتملة المعاني ، المفعمة بالمشاعر ... ولم يقعوا في مثل هذا العشق الذي سكن مشاعري ... وتلاحم مع ذرات كياني ...
ويتعجبون من أن أكون متأثرا بها إلى هذا الحد ... منذ ذلك الوقت وحتى هذه الأيام ... وكيف أحن إليها هذا الكم الهائل من الحنين .. وأن ترتسم في مخيلتي كلما ذكر الوطن ... والوطنية ... وحب التراب ...!
وحقيقة أني كنت أتعجب مثلهم ... وأسال المضغة التي تمؤ في صدري كلما مر ذكرها من حولي ... وتفكرت كثيرا ... وحاولت أن افهم مالذي يحدث ... في منعرجات جوفي ؟... وسألت ... وناقشت العديد ممن عاشوا مثل تجربتي ... ممن يشعرون بنفس مشاعري نحو مدينة أبها ... ومنهم الكثير ممن لم تكن مدينة أبها بالنسبة لهم إلا محطة مؤقتة ... عابرة ... أو محطة ليست الأولى ... ولم تكن الأخيرة لهم ... بل إن أغلبهم .... من أهل مدن أخرى ... جاءوها ... في فترة من الزمن ... ورحلوا عنها ظانين أنها ستنسى مثل غيرها ... ولكنها ظلت تسكن في جوفهم نبضة ومشاعر ولذة .. وتنتقل معهم أينما حلوا ... وولوا وجوههم ... وطنا ... !
واعتقدت أن بهذه البلدة سحرا مبينا .... ينزل على من يسكنها .... ويجعله ... يعيش ويموت متيما بحبها ... أنا شرع قلبه للحب .... وأنا رنا شوفه ... ومهما بعد ... عنها ..!
وكان لا بد لي من حوارات متعددة ... وبحث موسع ... وإستقصاء لهذه الحالة الغريبة من الحب العذري .... الغير مشروط بين أبها .... و بين محبيها ...
وعدت بذكريات الطفولة العزيزة على نفسي ... لهذا الوطن الصغير .... الذي يحمل جميع معاني الوطن بين دفتيه ... بطبيعته الريفية الجبلية الجميلة التي تنقش في الذاكرة .... بازميل العشق ... بأودية فيها من الطير كل ذا ريش ... ومن الماشية ألهاني الأليف .... ومن الحشرات المفيد الأنيق ... ومن البيئة الحسنة المستحسنة البكر ....
بأودية وغدران تشع بحياة طبيعية لا زيف فيها .... بضفادعها .... وطحالبها .... وأعشابها ... وأصوات خرير الماء بين صخورها وحصبائها ... وأعشابها الكثة المتعانقة والتي تبعث في الوجود أزكى الروائح .. ونباتاتها التي تزهر بالحب وتحمل الثمار الشهية ... وتنبعث منها روائح نبتاتها العطرة ... المنعشة للخيال والمشبعة للعين وللروح والنفس ...
بسمائها الزرقاء ... وظلها ألهاني ... و روعة قوس قزح بين زواياها .... ببيوت طينية حجرية نبعت من تعاريج قلب الأرض ... لتزيد تواصله وبهائه حسن على حسن ... بممرات شوارعها العزيزة وأزقتها العتيقة التي نعبر فيها إلى روعة الحكايات القديمة وسحرها ... ونستزيد من عرى التواصل والترابط ... ونستنشق من معاني الآباء والحرية ... بنسيم جوها البارد النقي ... بوجيه أهلها المضيافة ...الذين لا يشعرونك إلا أنك بين أفراد أسرتك الصغيرة .... هذا عم وهذا خال .... وتلك جدة نحترمها ونحب أن تستضيفنا .... أطفالا في بيتها المشمس ... تفرحنا بصدارة المجلس ... وتصنع لنا بيديها أقراص الشعير والبر والذرة ... وقدحا من الحليب الصابح ...
وتلك عمة وتلك خالة ... لا نفرق بين وجوههن وبين ضياء وجيه أمهاتنا .... بحقول مخضرة ندية محملة بالخيرات ... نشعر بأنها لنا ... وأن ما تحتويه من عذوق للذرة ... وثمار للخوف والفركس .... وحبات للوز .... ملكنا ... بأعشاش الطيور الملونة المغردة من حولنا ... الهدهد ... والقطى ... والطائر الطنان ... وشموخ نسور الجبال الشاهقة ... بالبهيم تجري من حولنا ... ونحن نحمل صغارها بين أيدينا .... ونتقاسم معها حليب أللباء .... بالحمير تجري من حولنا ... وتحملنا على ظهورها ... وتساعدنا على حمل أغراضنا الثقيلة ... بين الممرات المتعرجة ... دون ضجيج أو خطورة ...
بالحصون التاريخية شواهد على التاريخ ... منتصبة بشموخ وعزة على المفارق ... تعيد لنا لمحات الماضي ... وتعيد لنا حكايات أهله ... الغنية بمعاني الكرم والفخر والشجاعة والإباء والعفة والشرف ... بالسماء الزرقاء ... حبلى بالغيوم ... تلوح لنا من الأفق حاملة معها الخير كله ... بقطرات نتمتع باستقبالها بكرا بأفواهنا واكفنا الصغيرة ...
بنجوم الليل التي تحكي لنا بصمتها ومذنباتها ... عن عظمة الكون ... وضئالتنا .... بالطين نصنع منه العاب طفولتنا ... والحصى نطور به أفكارنا .. والجبال تشحذ همتنا للصعود إلى العلى ... بالسهرات الحميمة التي تحدث هنا وهناك ... بين أفراد القرية .... وتعتصر فيها المشاعر .... وتتأطر العلاقات الاجتماعية ... ويعلوا صوت الشعر ... والطرب الريفي الذي يهز المشاعر والأبدان ... لترقص بشجن على وقع الطبول والمزاهر... بالبرد يدخل خلسة من تحت أعقاب الأبواب الخشبية العتيقة ... ويتسلل بين الثياب مداعبا للروح ... مشعلا فيها الوهج .... والسعادة ...
بالجيران الذين لا تشعر معهم بالخوف ... ولا بالخجل ... لأنهم يشعرونك دوما بأنك فردا من أسرتهم ... بالكرم والبشاشة في النفوس ... والصدق والأمانة ... وبعد ذلك ... تسألوني لماذا لا زلت أحبها ...؟ بل أعشقها ... بل إنها مهد عشقي ووطنيتي ...
أنها تجمع رءوم طبيعي بيئي لكل ما له علاقة بأمنا الأرض ... أنها تجمع حميم للطبيعة والبيئة ... أنها تلاحم علوي بين الأرض والخالق ... في معاني سامية كثيرة ... لا يمكن ألاستعاضة عنها بأكوام من الخرسانة المسلحة ... ولا بأنفاق عملاقة ... ولا بشوارع ناهضة متطورة .... ولا بتقنية مدهشة ... ولا برنين ذهبي ... أنها الحب الحق للكون ... ولا يمكن أن يتواصل الفرد مع الكون إذا لم يحب الطبيعة ... وما يأتي منها طبيعيا ... سواء على مستوى الأمكنة ... أو النبات .... أو الحيوان ... أو البشر .... أو المشاعر ... أو ألإنسانية ... أو الأفق ... أو الحرية ... أو الذكريات ..
هي وطن بكل معاني الكلمة ... أحن إليه دوما ... وسأضل أحن إليه ... كلما تذكرت إنسانيتي ... وكلما تذكرت أني مخلوق جاء من الطين .... وعشق الطين ... وكل ما ينبع منه ...
أنها حكاية عشق ... رباني ... أردت أن أشارككم إياها ...
وأنا أعلم أن في جوف كل منكم ... وطن ... حقيقي ... يشتاق له ... ويحن لترابه ... حنينه لأول منزل ... ويتمنى لو يعود به الزمان .... ليحضنه من جديد ... ولينهل من حبه أكثر ... مهما علت بنا المباني ... ومهما .. جذبتنا الأموال ... ومهما بلغ بنا السعي في شتات الأرض .... والترقي ...
ولعلنا في يوم من الأيام ..... أن نتمكن من أن نعيش في الوطن .... ولو أيام إجازاتنا .... أو قل .... أيام راحة غربتنا ....
(إهداء لمحبي .... أبها .... البهية .... ) | |
|