peso مشرف المنتدى العام+الجوال
عدد الرسائل : 2846 العمر : 36 نقاط : 294314
| موضوع: المتاهة الطوعية في الاغتراب الجبري السبت أبريل 04, 2009 2:09 pm | |
| المتاهة الطوعية في الاغتراب الجبري
في تدريبات التلاميذ، يلجأ المدرس الى اختيار مجموعة من أشياء متشابهة وبينها شيء واحد مختلف، كأن يذكر أربع كلمات تبدأ بحرف الباء وبينها واحدة لا تبدأ بحرف الباء (بطيخ، بصل، فلفل، باذنجان) ويطلب من التلاميذ التعرف على الشيء الغريب بينها. أو يختار مجموعة من الأنهار وبينها جبل (دجلة، الألب، النيل، المسيسبي) ويطلب من التلاميذ التعرف على الكلمة الغريبة.
في حياة الإنسان، هناك سلسلة طويلة جدا من المجموعات المتشابهة في موازين الإنسان نفسه يقبل بها ويعتبرها من طبائعه، وأشياء لا يقبل بها في حين يكون المجتمع الذي حوله يقر بها ويعتبرها طبيعية جدا، فقد يحب أفراد الأسرة صنفا من الطعام ويكون أحد أفراد الأسرة لا يرغب بهذا الصنف، ويفضل الجوع على تناول ذلك الصنف.
أو يتوقف أحد الأفراد عند ظاهرة منتشرة كتقبيل الرجال لبعضهم في مناسبات العزاء أو الفرح، في حين يرى هو أن تلك الظاهرة لا تليق بالرجال، فيصافح الآخرين وهو يجبر ذراعه على التصلب والتوتر للحيلولة دون توجه الآخرين لتقبيله.
وقد يجلس أحدهم في أحد الدواوين، ويستمع الى كيل المديح للحكومة، في حين يراها هو أنها حكومة فاسدة، لا تستحق كل هذا المديح، فإن شاركهم مدحهم أحس بخيانته لما يؤمن به، وإن لاذ بالصمت أحس أنه (شيطان أخرس)، وإن اعترض وضعه الآخرون في دائرة الشبهة.
عندما تكثر نقاط الاختلاف بين الفرد ومجموعته، في الأسرة، وفي مكان العمل، وفي الحي وفي الحياة العامة، ترتفع وتيرة الشعور بالاغتراب فيقرر (طوعيا) أن يضع حدا لهذا الاغتراب.
قد يترك أسرته ـ مغامرا ـ بعدم رضا والديه عنه وما يترتب على ذلك من تبعيات كثيرة، وقد يترك مكان عمله ليتخلص من ظواهر النفاق والمحاباة، وقد يترك مدينته أو حتى يترك بلاده ويهاجر الى بلد آخر، ظنا منه أنه سيلقى بيئة جديدة تتماشى مع منظومات معاييره الخاصة.
في كثير من الأحيان، تتخلق في البيئة الجديدة نقاط اختلاف قد تفوق ما كان يواجهه الفرد في بيئته القديمة، فإن غير زوجته بطلاقها، قد يجد نفسه مع زوجة أكثر في نقاط الاختلاف، وإن غير عمله قد يجد نفسه في مكان يكون فيه ذليلا ومنبوذا ومحل استصغار من الآخرين، لقد تعرفت بحياتي على أحد المهندسين قام بتغيير شركاءه (54) مرة حتى توفي، وقد تحول شركاؤه السابقون الى شبه أعداء.
وإن غير بلاده، فإنه لن يستطيع في أي لحظة من حياته أن يفتخر بإنجازات البلاد التي انتقل إليها، حتى لو عاش فيها خمسين سنة، فإن تعذر على من حوله التعرف على أصله، فإنه لن ينسى أصله، ولن يجازف باعتباره صاحب فضل على البلاد التي هاجر إليها، حتى لو كان مخترعا.
إنه اختار متاهته (طوعا) ليبقى مغتربا (مجبرا) ومن نفسه!
| |
|