الدلائل الشرعية على تحريم موافقة اليهود والنصارى في العطلة الأسبوعية الحمدُ لله ربِّ العالمين , والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه .
أمَّا بعد : فقد كثرت الدعوة في بعض الصحف لجعل إجازتنا الأسبوعية هي يومي الجمعة والسبت , بدلاً مما هي عليه الآن من يومي الخميس والجمعة , وقد قامَ أحدُ الْمُتعالِمين من الصحفيين بلَمْزِ وَرَثةِ الأنبياءِ قديماً وحديثاً لإنكارهم التشبُّه بعطل اليهود والنصارى , كالشيخين ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله - واللجنة الدائمة , واصفاً فتاويهم : بـ ( الآراء الْمُتشنِّجة ؟ أو التي تختلف فقط من أجل الاختلاف ؟ ) وأوجبَ ذلك الصحفيُّ : بأن يُطرحَ هذا الموضوع في مجلس الشورى ؟ ( 1 ) .
ولبيان حكم هذه المسألة العَقَديَّة أقولُ ومن الله تعالى وحده التوفيق والسداد : إنه مِنَ المعلوم مِنَ الدِّينِ بالضرورة , أنَّ ديننا الإسلامي دينٌ كاملٌ لا يحتاجُ إلى زيادة أو نقصان , صالِحٌ لكلِّ زمان ومكان , وقد حذَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من البدع والإحداث في الدين , فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ( مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ ) ([2]) .
وإنه لا شيءَ أفسدَ للدين وأشدَّ تقويضاً لبنيانه من البدع والتشبُّه بالكفار , وإنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين هو التشبه بالكفار في إجازاتهم في أيام أعيادهم الأسبوعية أو السنوية .
ولقد أخبرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم , فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك ) ([3]) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( لَتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبلكم شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , حتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تبعتموهُم , قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى , قال : فَمَنْ ) ([4]) .
قال النووي رحمه الله تعالى : ( والمرادُ بالشبر والذراع وجُحر الضبِّ : التمثيلُ بشدَّةِ الموافقة لَهُمْ في المعاصي والمخالفات ) ([5])
وقال شيخ الإسلام ت728هـ رحمه الله تعالى : ( وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك , والذَّمُّ لِمَنْ يفعله , كما كانَ يُخبرُ r عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات , فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها اليهود والنصارى , وفارس والروم , مِمَّا ذمَّهُ الله ورسولُه r , وهو المطلوب ) ([6]) .
وقال رحمه الله : ( فَعُلِمَ بخبره الصِّدْقِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه في أمته قومٌ متمسِّكونَ بهديه , الذي هو دينُ الإسلام محضاً , وقومٌ منحرفونَ إلى شعبة من شُعَبِ اليهود , أو إلى شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ النصارى , وإنْ كان الرجلُ لا يكفرُ بكلِّ انحراف , بل وقدْ لا يفسقُ أيضاً , بل قد يكون الانحرافُ كفراً , وقد يكونُ فسقاً , وقد يكون معصيةً , وقد يكونُ خطأً , وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويُزيِّنه الشيطان , فلذلك أُمِرَ العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهوديةَ فيها ولا نصرانيةَ أصلاً ) ([7]) .
ومن المعلوم أنَّ ( يوم السبت يوم عبادة اليهود ) ([8]) , ويُحرِّمون فيه العمل , حيث جاء في سفر نحميا : ( وشعوب الأرض الذين يأتون بالبضائع وكل الطعام يوم السبت للبيع , لا تأخذ منهم في سبتٍ , ولا في يوم مُقدَّس ) ([9]) .
بل وجزاء مَن يعمل يوم السبت : القتل , والنفي من بني إسرائيل , فقد جاء النصُّ على ذلك في سفر الخروج : ( فتحفظون السبت , لأنه مُقدَّسٌ لكم , مَن دنَّسه يُقتل قتلاً , إنَّ كلّ مَن صنعَ فيه عملاً تُقطع تلك النفس من بين شعبها .. كلّ مَن صنعَ عملاً في يوم السبت يُقتلُ قتلاً ) ([10]) , فلم يراع اليهود هذه الْحُرمة , بل خالفوا كما هو طبعهم , وذكَرَ اللهُ ما حلَّ بهم بسبب مخالفتهم فقال سبحانه : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } فالسبتُ إذاً هو عطلة اليهود الذين أشركوا {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي [11] * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } وهم الذين نسبوا الابن إلى الله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ } وهم الذين وصفوا الله تعالى بالفقر والشحِّ والبخل {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } ووصفوا الله بالتعب ([12]){وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } .
والأحد هو عطلة النصارى الْمُثلِّثة , ويُحرِّمون فيه العمل , حيث جاء النص على تقديسه في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بقرار رقم 106 وجاء فيه : ( ومن ثمَّ كان الرَّبُّ في المرتبة الأولى من أيام الأعياد , واليوم الذي يجب أن يُدعى المؤمنون إلى إحيائه وإرساخه في تقواهم , بحيث يُصبح أيضاً يوم بهجة وانقطاع عن العمل , أما الاحتفالات الأخرى فلا يجوز أن تتقدَّم عليه إلاَّ إذا كانت فائقة الأهمية , وذلك لأنَّ يوم الأحد هو أساس السنة الطقسية كلِّها ونواتها ) ([13]) .
فالأحد إذاً عطلة النصارى الْمُثلِّثة {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } وأخصّ أوصافهم الضلاَل : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } .
وقد منَّ الله تعالى على أُمَّة محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم بيوم الجمعة , وخصَّه الله بفضائل وعبادات خاصة , فهدانا الله إليه بعد أن أضلَّ عنه اليهود والنصارى , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : ( نحنُ الآخِرونَ السابقونَ يومَ القيامة ، بَيدَ أنَّهم أُوتوا الكتابَ مِنْ قَبلِنا ، ثُمَّ هذا يَومُهُمُ الذي فُرضَ عليهم ، فاختلَفوا فيه فَهَدَانا الله لَهُ ، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ : اليهودُ غداً ، والنصارى بَعْدَ غَدٍ ) ([14]) , وفي رواية : ( أَضَلَّ اللهُ عن الْجُمُعَةِ مَنْ كانَ قبلَنا , فكانَ لليهودِ يومُ السَّبْتِ , وكانَ للنَّصارى يومُ الأحد , فجاءَ اللهُ بنا , فهدَانا اللهُ ليومِ الْجُمُعَةِ , فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأَحَدَ , وكذلكَ هُمْ تَبَعٌ لَنا يومَ القيامة , نَحْنُ الآخِرونَ مِن أهل الدُّنيا , والأوَّلَونَ يومَ القيامةِ , الْمقضِـيُّ لَهُم قبلَ الْخَلائقِ ) .
وفي روايةِ واصلٍ : ( الْمَقْضيُّ بينهُم ) ([15]) .
وقد سَمَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الْجُمُعَة عيداً في غير موضع , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : ( إنَّ يومَ الجمعة يومُ عيدٍ , فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم , إلاَّ أنْ تصوموا قبلَه أو بعده ) ([16]) .
ونهى عن إفراده بالصوم لِمَا فيه من معنى العيد , فهو صلَّى الله عليه وسلَّم ( ذكرَ أنَّ الْجُمُعَةَ لنا ، كما أنَّ السبت لليهود ، والأحد للنصارى ، واللام تقتضي الاختصاص ، ثمَّ هذا الكلام يقتضي الاقتسام إذا قيل : هذه ثلاثة أثواب , أو ثلاثة غلمان : هذا لي , وهذا لزيد , وهذا لعمرو , أوجبَ ذلكَ أن يكون كلّ واحد مختصاً بما جُعل له , ولا يشركه فيه غيره , فإذا نحنُ شاركناهم في عيدِهم يومَ السبت ، أو عيد يوم الأحد ، خالفنا هذا الحديث ؟ وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي ) ([17]) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( وقد شرعَ اللهُ سبحانه وتعالى لكلِّ أُمةٍ في الأسبوع يوماً يتفرَّغون فيه للعبادة , ويجتمعونَ فيه لتذكُّر المبدأ والمعاد والثواب والعقاب , ويتذكَّرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر , قياماً بين يدي ربِّ العالمين , وكان أحقُّ الأيام بهذا الغرض المطلوب : اليوم الذي يجمعُ الله فيه الخلائق , وذلكَ يوم الجمعة , فادَّخره الله لهذه الأمة لفضلها وشَرفها , فشرعَ اجتماعهم في هذا اليوم لطاعته , وقدَّر اجتماعهم فيه مع الأمم لنيل كرامته , فهو يومُ الاجتماع شرعاً في الدنيا , وقَدراً في الآخرة , وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكونُ أهل الجنة في منازلهم , وأهل النار في منازلهم , كما ثبت عن ابن مسعود t من غير وجه أنه قال : « لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في منازلهم , وأهل النار في منازلهم , وقرأ : {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ([18]) .
وقد دلَّ كتابُ الله تعالى , وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم , واتفاق الصحابة رضي الله عنهم وسائر الفقهاء , والنظر والاعتبار , على تحريم مشابهة اليهود والنصارى في أعيادهم الحولية والأسبوعية , فمن هذه الأدلة على سبيل الاختصار :
دلالة القرآن الكريم :
1 – قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }قال ابن جرير الطبري ت310هـ رحمه الله : ( حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قوله : {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } , قال : نزلت في ثعلبة , وعبد الله بن سلام , وابن يامين , وأسد وأسيد ابني كعب , وسَعْبَة بن عمرو , وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا : يا رسول الله , يوم السبت يومٌ كنا نُعظِّمه , فدعنا فلنُسبت فيه ! وإن التوراة كتاب الله , فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } , فقد صرَّح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك , من أنَّ تأويل ذلك : دعاء للمؤمنين إلى رَفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام , والعمل بجميع شرائع الإسلام , والنهي عن تضييع شيء من حدوده ) إلى أن قال : ( القول في تأويل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يعني جلَّ ثناؤه بذلك : اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلِّها , وادخلوا في التصديق به قولاً وعملاً , ودَعُوا طرائقَ الشيطان وآثارَه أن تتَّبعوها , فإنه لكم عدوٌ مُبينٌ لكم عداوتَه , وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتَّبعوه هو ما خالفَ حكمَ الإسلام وشرائعَه , ومنه تَسْبيتُ السبتِ وسائرُ سُنَن أهل الْمِلَل التي تُخالفُ ملَّة الإسلام ) ([19]) .
قوله : ( ومنه تسبيت السبت ) : السبت : ( اسمٌ ليوم معلوم , مأخوذ من السبت الذي هو القطع , أو من السبات وهو الدَّعة والراحة ) ([20]) , ( وقيل : سُمِّي بذلك لأنَّ اليهود كانوا ينقطعون فيه عن العمل والتصرُّف ) ([21]) ( والمعيشة والاكتساب ) ([22]) , فترك العمل يوم السبت اتباعٌ لطريق الشيطان .
2 - قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }.
قال بعضُ السلف : كابن عباس رضي الله تعالى عنهما ت68هـ ([23]) , وأبو العالية ت90هـ ([24]) , والضحاك بن مزاحم الهلالي ت102هـ ([25]) , ومجاهد ت104هـ ([26]) , وطاووس بن كيسان ت106هـ ([27]) , ومحمد بن سيرين ت120هـ ([28]) , والربيع بن أنس ت136هـ ([29]) , وعبد الملك بن حبيب ت233هـ ([30]) , وأحمد بن حنبل ت241هـ ([31]) , وأبو إسحاق الزجاج ت310هـ ([32]) , وأبو الشيخ الأصبهاني ت369هـ ([33]) , ومحمد بن منصور السمعاني ت489هـ ([34]) , وأبو بكر ابن العربي ت543هـ ([35]) , والعز بن عبد السلام 660هـ ([36]) , ومحمد بن مكرم بن منظور ت711هـ ([37]) , وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ ([38]) , ومحمد بن يوسف بن حيان ت745هـ ([39]) , وابن القيم ت751هـ ([40]) , وابن مفلح الحنبلي ت762هـ ([41]) , ومحمد مرتضى الزبيدي ت1205هـ ([42]) , وغيرهم : أنَّ المرادَ بالزور في هذه الآية : أعياد المشركين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وأمَّا أعيادُ المشركين : فجَمَعَتِ الشبهة والشهوة : وهي باطلٌ : إذ لا منفعة فيها في الدين , وما فيها من اللذة العاجلة : فعاقبتها إلى أَلَمْ , فصارت زوراً , وحضورُها : شهودُها , وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودِها الذي هو مجرَّد الحضور برؤيةٍ أو سماعٍ , فكيفَ بالموافقة بما يزيدُ على ذلك من العملِ الذي هو عَمَلُ الزور لا مجرَّد شهوده ؟ ) ([43]) .
وإنَّ تعطيل العمل يوم عيد اليهود وهو السبت , أو يوم عيد النصارى يوم الأحد , وجعلهما أو أحدهما عطلة أسبوعية هو أعظم من مجرَّد شهودهما .
3 - قوله تعالى : {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي ت1393هـ : ( الأظهرُ في معنى قوله : { مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }( أي : مُتَعَبَّداً هم متعبدون فيه , لأنَّ أصلَ النُّسُك التعَبُّد , وقد بيَّن تعالى أنَّ مَنْسَكَ كلّ أُمَّةٍ فيه التقرُّب إلى الله بالذبح , فهو فردٌ من أفراد النسك , صرَّح القرآنُ بدخوله في عمومه , وذلكَ من أنواع البيان الذي تضمنها هذا الكتابُ المبارك ) ([44]) .
وخصَّه بعض السلف بالعيد : كابن عباس رضي الله عنهما ([45]) , والفرَّاء ت207هـ ([46]) , والعز بن عبد السلام ([47]) , وأحمد بن محمد الهائم ت815هـ ([48]) , والسيوطي ت911هـ ([49]) , وغيرهم , وممن ذكره من أهل العلم : محمد بن عزيز السجستاني ت330هـ ([50]) , وشيخ الإسلام ابن تيمية ([51]) , وعبد الله بن عمر البيضاوي ت791هـ ([52]) , وغيرهم |