والنفسُ عادمة الكمالِ وإنّما ... بالبحثِ عن علمِ الحقائقِ تكْمُلُ

بسم الله .. والصلاة والسلام على رسولِ الله

وعلى آله وصحبهِ ومن والاه ..

خيرُ ما تستفتحُ بهِ الكلمات .. وبديع ما تستمنحُ بهِ النِعَمُ والطيبات .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته

وأسعدَ اللهُ أوقاتكم وطيبها بالمسرّات .. سادة ً وسيّدات ..

وبعدُ فإنه لمن كبائرِ الأمورِ وعظيمها أن نجدَ في موطنِ العقلِ جهلاً مردّهُ ادعاء الصحةِ والكمال ..

وإن كان السعيُ إلى الكمال من الفِطرة .. فإن ما هو أعظم من هذا أن نرى من يشوّه التعاليم ويخلطُ - بجهلهِ - جميعَ المفاهيم ..

فيقدّمُ لنا كمالاً في النقص .. تماماً .. كحلقةٍ دينيةٍ في إحدى قاعات الرقص !

ومن يصبحُ عالماً يمسي للعلمِ كاتماً .. ومن يمسي حاكماً يُصبحُ ظالماً ..

ومن هؤلاء لدينا الكثير - والحمد لله - .. في الحياةِ والفضائياتِ وحتى عبرَ الأثير ..

إلا من كان في رحمةِ الله التي وسعت كل شيء ..

من هذا نستخلصُ أنّ " هؤلاء " هم الدّوُنِ ممن يفخرون ويرددون كلام المُجون .

=================================================

أما حال بعض المدعين الكاذبين .. من المتسلّقين ومدعي العلم والمعرفة الفطنين .. فهو حالُ المتخبطين اللاهين !

يُحكى أنّ شجرةَ صنوبر ضخمة .. قد وقفت بخُضرتها اليانعة وجذعها العظيم أمام معبدٍ في الصين بشموخٍ شاهق ..

وكان عمر هذه الشجرة يزيدُ عن ثلاثمائة عام .. مما أكسبها - لدى الجميع - هيبةً واحترام ..

فانتهزَ وجود الشجرةِ نباتُ اللبلاب .. وهو نوعٌ من النّباتِ المتسلّق .. فتسلّق عليها حتى كادَ يُغطّيها بأوراقه ..

لاحظت شجرة الصنوبر ما يفعله اللبلاب فـ " سألته " :

ما الذي تفعلهُ هنا يا هذا ؟!

أتغطي وجهي وتحجب نور الشمسِ عنّي ؟

فأجابها اللبلاب بكلّ كبرٍ وزهو :

أنا هنا لأضفي عليكِ رونقاً وجمالاً ..

أم أنكِ تظنين أن أحداً سيلحظ وجودكِ لولاي ؟؟؟!

فأيّ علوٍ وأيّ رِفعةٍ يطلب " هؤلاء " ؟! .. أجزم أنهم لا يستطيعون التحديد .

=================================================

أما النوع الآخر فهم ثلة ٌ من العارفين والمثقفين ..

ممن يطلبون المعرفة لمجرّد المعرفة وادعاء الثقافة ..

فلا هي تنفعهم .. ولا ينفعون بها غيرهم ..

يُحكى - خيالاً - منذ القدم أنّ وعاءين قد التقيا .. فاستفسرَ كلّ منهما عن محتوى الآخر :

قال الأول : إنّ لديّ من ( المعرفةِ ) ما يكفي جميع البرايا .. تحيط
بالقاصي والدان .. حُللٌ من النورِ ، كاللؤلؤِ والمرجان .. أجتنبُ بها
الخطايا .

وقال الثاني : إنّ لديّ من ( الثقافةِ ) ما يكفي لتنيرَ عقولَ الأمم ..
وإني لها مستودع .. فسبحانَ من خلقَ وأبدع .. وما واجبي إلا شكرُ النِعَم .

فكذّبَ كلّ منهما الآخر فتشاجرا ..

فوقعا ..

فانكسرا .... ليكشفَ كلّ منهما عن خوائه !!!

=================================================

يقول ابن الجوزيّ - رحمه الله - في كتابِهِ >>> صيد الخاطر <<< في فصلِ التطلّعِ إلى الأفضل :

" من أعملَ فكرهُ الصافي دلـّهُ على طلبِ أشرفِ المقامات .. ونهاهُ عن الرضى بالنقصِ في كلّ حال‏.‏

وقد قال أبو الطيب المتنبي‏ :

‏ولم أرَ في عيوبِ الناسِ عيباً ... كنقصِ القادرينَ على التمامِ

فينبغي للعاقلِ أن ينتهي إلى غايةِ ما يمكنه .. فلو كان يُتصوّر للآدمي صعود السموات .. لرأيتُ من أقبحِ النقائصِ رضاهُ بالأرض‏.‏

ولو كانت النبوة تحصلُ بالاجتهاد .. رأيت المقصرَ في تحصيلها في حضيض‏.‏

غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلبَ الممكن‏.‏

والسيرةُ الجميلة عند الحكماء .. خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلمِ والعمل‏. "

‏=================================================

والنفسُ عادمة الكمالِ وإنّما ... بالبحثِ عن علمِ الحقائقِ تكْمُلُ

والمرءُ مثلُ النّصلِ في أصدائهِ ... والجهلُ يصدي والتفهمُ يصقلُ

=================================================

تتدفقُ الأفكارُ في التيّار لتصبّ في بحرِ العلمِ الذي نهلت منه أصلاً ..
كدورةٍ فكريةٍ طبيعيةٍ بحاجةٍ إلى سُحبِ معرفتكم وشمسِ علمكم ..

أرجو أن أقرأ تعليقاتكم وآرائكم حول الموضوع وفقاً للمفهوم الشخصيّ لهذا المعنى الشامل في كلمة " الكمال " مع الشكر الجزيل لكم .

دمتم بخير كما تحبون .. وأحب .