من أين لأطفالنا هذه القدرة على التحمل ؟!..

لا ادري كيف يحافظ الأطفال على شفاههم مبتسمة.. وعلى وجوههم طلقة بالفرح والبهجة ..؟!
ففي الأيام المنصرمة عانت بلدتي من انقطاع تام للكهرباء ..ومما زاد الطين
بله كما يقال ..انقطاع الماء وبشكل تام أيضا ..ولعلك تدرك مشاعرنا البائسة
ونحن نعيش أجواء العراق الملتهبة مع درجات حرارة مرتفعة جداً ..و تردي في
الخدمات الاجتماعية والصحية ..
الذي أثار ويثير دائماً استغرابي أن في ظل هذه الظروف البائسة بقى أطفالنا
محافظين على طلاقة وجوههم وبشاشة محياهم ..دائمين الضحك والمرح ..وكأنهم
يعيشون في ظرف يختلف عن ظرفنا التعس هذا ..فأحببت أن اشفي فضولي هذا وأعرف
سر قدرتهم العجيبة على تخطي أصعب الظروف بهذه الروح الطيبة !!..لعلي أتعلم
منهم بعض ما أضعناه في مراحل الكبر القاسية بتجاربها ..
فساءلت ابنة أختي ذات التسع سنوات وهي زعيمة من تبقى من الصغيرات اللواتي
يكدن يشعلن البيت من سخونة لعبهن وتنطيطهن في أرجاءه ..
عيوني أنتِ ما تشعرين بحالنا أشلون صاير ..وأنتِ ولا همك ..؟! نظرت
لي وكأن كلماتي لم تصلها ..وبرمت شفتيها إلى الأعلى وعقدت بين حاجبيها .ثم
أجابت ..بشقاوة ..
-هو شنو صار خالتي ..؟! كدت انفجر بوجهها ..سحبت نفس عميق وتصنعت الأبتسامة وصغت سؤالي بشكل أخر ..
-أقصد انقطاع الماء والكهرباء وهذا الجو الحار ..كل هذا ما يهمكم خاله ..؟!
ألان يبدو أنها فهمت القصد من سؤالي ..هزت بكتفيها و فتحت أحد عينيها و أغمضت الأخرى وكأنها تعصر جواب مقنع قبل أن تفلت مني ..
- والله يا خاله ..شنو بيدنا نعمل ..خوش مو بس إحنا ..كل الناس ما عدها ماء ولا كهرباء ..يعني شنو نسوي ..؟!بعدها
لم تنتظر مني رد بل انفلتت مني , لتنظم لباقي الصغيرات لتبتكرن حيل والعاب
جديدة عند الساعة الثالثة ظهراً بحسب التوقيت الصيفي الجهنمي لمدينة بغداد
..!!
بالحقيقة مازلت غير مدركة لحقيقة تحمل هولاء الصغار لظروفنا القاسية في
العراق ..! وسر إقبالهم على الحياة إقبالاً رائعاً , فهم يصنعون الضحكة في
أسوء الظروف وأصعبها ...! لله درهم من أطفال فاقوا الكبار بالتحمل
والصبر..!! .